منتدى فــرجيــوة الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
دخول

لقد نسيت كلمة السر

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 129 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 129 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 462 بتاريخ الثلاثاء 4 يونيو 2013 - 14:24
مواضيع مماثلة


     
       
         - قسم الشريعة الإسلامية
    - النقاش السياســــــــي
    - أقلامنا . . . . .
    - أخبار الرياضة المحلية
    - أخبار ميلـــــــــــــــة
    - أخبار وقضايا المدينة
    - قسم المجتمع المدني
    - مناسبات خاصة جدا .
    - شكاوى واقتراحات .

       
     
       
       

    تاعليث...الفراشة المحترقة

    اذهب الى الأسفل

    تاعليث...الفراشة المحترقة Empty تاعليث...الفراشة المحترقة

    مُساهمة من طرف أبو حفص السبت 14 مارس 2009 - 13:25

    تـاعليـث … الفراشة المحترقة

      تتذكر ، كما لو أنها في حلم جميل، الأيام السعيدة التي قضتها على أسفح التلال الضاحكة التي تضفي عليها الشمس مسحة ذهبية . هناك … في أسفل الجبال العالية التي تشقها مضايق عميقة تنفتح على دفء الأفق الأزرق. هناك…غابات كبيرة من الأرز والبلوط صامتة مخيفة ومساحات من الشجيرات الصغيرة الكثيفة من أين يصعد نفس دافئ في شفافية الخريف وفي سكرات الربيع العنيفة . هناك … شجر الرند الأخضر والغار الوردي ذو النجمات على ضفاف الأودية الهادئة وعبر بساتين التين والزيتون يرمي السرخس الشفاف ضبابا خفيفا على الصخور الحمراء المبقورة بالقرب من شلالات الجوهر فتنساب المجاري مرحة تحت الشمس أو تزمجر صارخة في ليالي الشتاء المخيفة …

      وهي ترعى الغنم ضاحكة طليقة ، لعبت هناك في حمام النور المنعش الدائم ، أطرافها قوية عارية تقريبا تحت الشمس .

      ثم أنها تذكرت رعشة احتفالات عرسها الرائعة حين تزوجت وأحبت رزقي أوسعيد ، ذلك الصياد الوسيم .

      ومع استرجاع هذه الذكريات ، بدا لها أن تلك الأيام الخوالي مرَت بلا اضطراب ولا حزن وكل ما فيها كان ثملا بعذوبتها .

      ثم حلت الساعات المظلمة .

      فجأة كل شيء تحطم ، دكَ وتبدد ، كما تبدد الريح الزوبعة العابرة على الطرقات المشمسة . ذات ليلة ، قتل لصوص بهائم أرزقي بطلقة نار… كان الحداد الفظيع ولحمها المقتلع وجنون الثياب الممزقة والخدود المخدوشة الدامية والشعر المبعثر . صرخت كما تفعل الإناث البرية في الجبل تحت وطأة لسعة الرصاص…مات أبوها ، بعد ذلك ، ذات شتاء قارس بائس ومخيف حين كدست العاصفة الثلج الثقيل فوق الﭭربي [1] المتهاوي . بعد أشهر تزوجت زوينة والدة تاعليث من تاجر رحل بهما إلى مدينة الجزائر .

     

      والآن ، هي حبيسة هذا البهو العربي المغلق كأنه سجن . أسواره عالية مطلية بالأزرق الباهت ، يحيط به صف من الأعمدة تشبه أعمدة الدير . إنها تكابد غمَ وقلق مدينة الجزائر التركية والعربية القديمة التي كلها ظلمة وريبة شرسة … تختنق تحت هذا الظل المؤذي بين نساء يتكلمن لغة أخرى ويسمينها باحتقار القبائلية .

      هنا ، بدأ عذاب جديد : أراد زوج أمها أن يزوجها ثانية ، أن يعطيها إلى شريكه ، رجل مسن ودميم . جسد المرأة العاشقة انتفض على هذه الزيجة فرفضت بإصرار . أنا أحب أرزقي ، تقول لأمها حين تكلمها عن شبابها وجمالها لتحملها على القبول . إنها الحقيقة . لقد أحبت الزوج العشيق المتوفى ولا زال جسدها يحتفظ له بذكرى أليمة لطيفة . وأمام إلحاح أمها المنهك وخشونة زوج أمها الذي كان يضربها بقسوة ، شعرت تاعليث بعدم جدوى مقاومتها التي وصلت إلى طريق مسدود . ثم ، أليست تحب الموت ؟ ألم تكن وفية له ؟ ألا تشعر أنها وحيدة وليست قادرة على الحب ثانية ؟

      وجهها الأسمر ، ذو الأعين الواسعة التي تشبه نظرتها اللمسة الحزينة والجبين الموشوم والشفاه الطرية ، تصلب وانكمش ، نحيل مريض . شعلة غريبة بدت في نظرنها المظلمة .

      ذات يوم قالت لزوج أمها 

      ـ إذا كان هذا هو قدري فأنا قابلة بذلك .

      ثم انتظرت ، في صمت أكبر من ذي قبل ، باهتة فاترة .

      في الليلة التي سبقت أفراح الزفاف ، وبعد أن خفف المساء من ضجيج الصبية في البيت الكبير بقيت تاعليث وزوينة وحدهما .

      ـ يا أمي ، تقول تاعليث ، وابتسامة غريبة تعلو شفاهها ، أريد أن تلبسيني وتزينيني مثلما سأكون غدا حتى أرى هل ما زلت جميلة ، أنا التي ذبلت عيناي من البكاء .

      فرحت زوينة بما اعتقدت أنه سعادة صبيانية جديدة وأسرعت لتلبس تاعليث قمصان الشاش المفضض و ﭭندورات الحرير الفاتحة اللون والوشائح اللامعة ….ولتثقلها بكل المصوغات القبائلية : على رأسها ذو الشعر الطويل ، ثبتت تاجا من الفضة المزيَنة بالمرجان وأحاطت رقبتها العارية النقية بعقد من زجاج ومن قطع ذهبية ومرجان فوق الطوق المرصع . ثم شدَت خصرها الرشيق بحزام عريض من الفضة وأحاطت معصميها المدورين بأساور وكعبيها بالخلاخل الرنانة . طوق من العجين المجفف الفوَاح غمر تاعليث بعطر دافئ . ثم جلست زوينة لتنظر إلى تاعليث بحنان وإعجاب وهي تكرر : 

      ـ أنت جميلة يا عين الغزال . 

      تناولت تاعليث المرآة وحدقت طويلا منتشية….طويلا إلى أن غفت زوينة .

      إذن ، وبعد أن نزعت خلاخلها الرنانة خرجت تاعليث إلى البهو كلها بياض تحت ضوء القمر المنحني المنزلق على البلاط تاركا الأعمدة في الظل الأزرق .

      همست تاعليث وكأنها في المنام :

      ـ لقد تأخر الليل .

      وهي محمومة مرتعشة ، وضعت جبينها الملتهب على المرمر البارد لأحد الأعمدة … خنقها ألم لا يطاق….هزَ جسمها بكاء أصم دون أية دمعة . طقطق المرجان الذي يزين تاجها على الحجر …ارتعشت تاعليث ثم انتصبت من جديد شاحبة جدا . في الركن ، تغفو البئر العربية . هوة ضيقة بلا قاع . انحنت قليلا لتظهر هكذا مستقيمة في ضوء القمر كأنها آلهة فضية . أغمضت عينيها ، يحرك شفتيها همس إسلامي وقور ثم تركت نفسها تهوي في الظل إلى تحت تصاحبها خشخشة الحرير وطقطقة الجواهر . اصطدام أصم ، بقبقة بعيدة : الماء الأسود الوحشي يلحس الحائط اللزج … ثم كل شيء سكت .

      تاعليث المزينة كالعروس اختفت . اتهمها الكل بالفرار نحو مواخير القصبة لتعاطي الدعارة . ولكن زوينة ، وهي تائهة ، يظهر عليها وقع السنين ، عرفت الحقيقة وتوسلت حتى ينزلوها بحبل إلى قاع البئر . أمام إصرارها الذي بدا وكأنه الجنون أمرت السلطة بسد البئر . وهكذا اقتلعت زوينة أظافرها ولحم يديها وهي تخدش الحجارة وتصرخ لعدة أيام ألاسم العزيز : تاعليث .

      بحثوا عنها في الخارج دون جدوى . فتحتوا اللجة من جديد . نزل رجل فوجد تاعليث تطفو فوق الماء ….

      أخرجوا الجثة ووضعوها على البلاط الأبيض فأنارت شمس المساء المحتشمة من جديد بومضات وردية الجواهر التي لا تزال تحصر اللحم المنتفخ المخضر وكل تلك القذارة النتنة التي كانت يوما تاعليث .

     

    ملاحظة : 

      رغم التصعلك والسوقية التي جلبتها الحضارة العاهرة المؤدية إلى العهر ، بقيت الجزائر العاصمة بلد أنيق أين يحلو العيش . ولكن ولأيام طويلة ، رؤية جثة زهيرة القبائلية التي رمت بنفسها في بئر لتهرب من زيجة شنيعة مقيتة رمت بظل من الحداد الثقيل والغامض على الجزائر المضيئة … إنه الماضي الآن .

      احتفظت بشيء من ذلك الظل ، ولا أريد أن أفكر فيه ثانية .

      الجزائر 4 ماي 1902 ( يومياتي ) إيزابيل


    أبو حفص
    أبو حفص
    :: عضو شرفي ::
    :: عضو شرفي ::

    تاريخ التسجيل : 27/01/2009
    عدد الرسائل : 386
    الجنس : ذكر
    الدولة الجزائر
    العمر : 60
    تاعليث...الفراشة المحترقة 34m89662

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    تاعليث...الفراشة المحترقة Empty رد: تاعليث...الفراشة المحترقة

    مُساهمة من طرف أبو حفص السبت 14 مارس 2009 - 13:28

    سوف أعود لتعريفكم بالكاتبة إيزابيل رحمها الله فقصة حياتها أسطورة و ألغاز تثير الوجدان
    أبو حفص
    أبو حفص
    :: عضو شرفي ::
    :: عضو شرفي ::

    تاريخ التسجيل : 27/01/2009
    عدد الرسائل : 386
    الجنس : ذكر
    الدولة الجزائر
    العمر : 60
    تاعليث...الفراشة المحترقة 34m89662

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

    الرجوع الى أعلى الصفحة

    - مواضيع مماثلة

     
    صلاحيات هذا المنتدى:
    لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى